مقهى الأدباء حلماً في جدة وواقعاً في الرياض

المؤلف: عبده خال10.03.2025
مقهى الأدباء حلماً في جدة وواقعاً في الرياض

لقد تشاركت مع الصديق الغالي محمد صادق دياب (رحمه الله) في تصور إقامة مقهى بهيج داخل أسوار نادي جدة الأدبي، ليكون بؤرة التقاء لأصحاب الفكر والثقافة في جدة وروادها. بيد أن هذا المقترح اصطدم بمفهوم المقهى الراسخ في أذهان البعض، على أنه فضاء للقاءات العابرة والمدخنين، وملتقى لشتى أصناف الناس. ومع إيضاحنا للفكرة، وبيان إمكانية استبدال مفردة "مقهى" بأي مسمى آخر، مع التأكيد على أن يكون المكان مفتوحًا على الدوام دون إلزام إدارة النادي بالتواجد الليلي، كون النادي يقيم فعالياته مساء كل أحد فقط، وتخلو ليالي الأسبوع الأخرى من أي نشاط أدبي أو ثقافي، بحيث يتحول المقهى إلى محفل للمثقفين من سكان جدة أو زائريها، بعيدًا عن المواعيد الرسمية والدعوات الخاصة، إلا أن البيروقراطية، والتعنت، والتشبث بمفهوم النخبة، حالت دون الموافقة على إنشاء المقهى، وجرى وأد الفكرة في مهدها. في ذلك الوقت، لم يكن من الممكن تصور وجود مكان مفتوح طوال أيام الأسبوع، ولم يكن من المهم تعزيز فكرة وجود ملتقى دائم للمثقفين، واكتُفي بما درجت عليه الأندية من إقامة فعالية ثقافية في ليلة واحدة من كل أسبوع. ومرت الأيام على ما ألفه الناس واعتادوه، وتوزعت المقاهي في أرجاء جدة على شكل تجمعات متناثرة، وفي أماكن غير معروفة للكثيرين..

وعندما أعلن معالي المستشار تركي آل الشيخ عن تأسيس ديوانية القلم الذهبي لتكون محفلاً ثقافيًا شاملاً لجميع مثقفي الرياض وزوارها، غمرتني فرحة عارمة بهذا الإعلان، فقد كان الإعلان بمثابة وعد بتحقيق حلم طال انتظاره، إلا أن وعود معالي المستشار سرعان ما تتحقق، حاملة معها كل مقومات النجاح. وها هي الديوانية قد ذاع صيتها وانتشرت، وأصبحت ملتقى يوميًا لنخبة المثقفين في البلاد. خُصص يوم الأربعاء لعقد جلسة ثقافية تحت عنوان معين، تستضيف شخصيات بارزة ومتنوعة، بينما تظل الديوانية مفتوحة في بقية أيام الأسبوع للقاءات الودية الحميمة بين المثقفين، بعيدًا عن الدعوات الرسمية والمواضيع المحددة، مجرد لقاء يجمعهم على المحبة والإخاء. وقد تم تجهيز الديوانية بأقسام متعددة لتوفير أجواء ثقافية متنوعة، ويشرف عليها الصديق ياسر مدخلي، الذي يولي المثقفين كل حفاوة وتقدير. وخلال فترة وجيزة، أصبحت الديوانية وجهة مفضلة للمثقفين، وأثمرت اللقاءات المتواصلة عن إبرام اتفاقيات بين الناشرين والكتاب، وتعاون مشترك في مشاريع ثقافية واعدة. لقد احتضنت الديوانية الجميع، ومنحت الشباب المبتدئين في عالم الكتابة الإبداعية فرصة ثمينة للقاء كبار المثقفين والاستفادة من خبراتهم. لقد جمع هذا المكان أطياف المجتمع الفكري، وأسقط ورقة التوت عن النخبة، ومكّن الجميع من التعارف وتبادل الخبرات، وتنشيط الحراك الثقافي، وتشجيع التجارب الإبداعية، وتحقيق الانسجام والتناغم بين الأجيال. ومن عبق الذكريات، تذكرت أن هذه الديوانية انبثقت من أفكار معالي المستشار تركي آل الشيخ، التي أطلقها خلال الإعلان عن مهرجان جائزة القلم الذهبي، حيث بشر الحاضرين بإقامة مكان لتجمع المثقفين بشكل يومي، وكان هذا الإعلان بمثابة النواة التي سرعان ما تحولت إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع. ففي غضون شهرين فقط، أصبحت الديوانية حقيقة واقعة بكل تفاصيلها، وتجسدت الرغبة في إنشاء مكان مشاع ومعدّ بكل المقومات الأساسية للقاء مثقفي جدة وزوارها. وإني على يقين تام، أن معاليه إذا وعد أنجز، ولهذا، فإننا ننتظر بفارغ الصبر تحقيق وعده بإنشاء ديوانيات مماثلة في بقية مدن المملكة، لتجميع شتات مثقفينا في كل مكان. والآن، هل يحق لي أن أرسل تهنئة من القلب إلى الصديق محمد صادق دياب (رحمه الله) بقرب تحقيق حلمه بوجود مكان متاح ومجهز بكل ما يلزم للقاء مثقفي جدة وزوارها؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة